فى الماضى القريب، عندما كنت تغضب من والدك أو والدك يغضب منك، أو تتوتر العلاقات بينكما، تجد الأب يحاول كسر الحاجز النفسى بعدد من التصرفات، لو تحب الأموال سيعطيك، ويقول لك «انزل اتفسح مع أصحابك»، ولو بتحب الألعاب سيشترى لك «بلاى ستيشن» ويقول لك «العب ولعب أصحابك»، ولو بتحب القراءة ستجده يشترى لك عددا من الكتب ويقولك «حقك عليا ما تزعلش». الأب هنا يؤسس لبناء شخصية الابن فى المستقبل، ولكن يبقى أن الابن رغم كل ما يقدمه الأب لا يزال يحتاج إلى «الطبطبة»، ويحتاج إلى التصرف المباشر من الأب فى كسر الحاجز النفسى مع الابن، بالاحتواء المباشر، والمناقشة الجادة فى الأسباب التى وترت العلاقة بينهما وحلها وإزالتها بالكامل.
اليوم، قدم الرئيس عبدالفتاح السيسى لمصر قبل أن يقدم للشباب، بنك المعرفة، وهو أكبر موسوعة علمية فى العالم، وشدد على فتح مراكز الشباب وتجديد قصور الثقافة مع منح فرص عمل للشباب وقروض بإجراءات ميسرة، وهذا فى مجمله رائع فى بناء الشاب المصرى فكريا، ولكن يبقى الأفق السياسى مسدودا، وبحاجة إلى «خلخلة»، لأن العلاقة بين الرئيس عبدالفتاح السيسى وشباب مصر ليست علاقة حاكم ومحكوم، أو مواطن والموظف الأول فى مصر، ولكنها علاقة تكاملية، نجاح الرئيس واكتمال مشروعه مرهون بضبط معادلة العمل السياسى فى مصر للشباب، والنظر فى مواقفهم القانونية خاصة أبناء ثورة يناير ويونيو هم من وقفوا فى الصف الأول فى وجه مبارك ومرسى.
وشباب يناير ويونيو، لن يتم التقرب منهم أو إصدار قرار بشأنهم إلا بإعلان مشروع واضح للمصالحة مبنى على قواعد ثابتة مفادها أن من حمل السلاح ليس ببينا، وأن التصالح ليس تراجعا من الدولة، ولكن إيمانا منها لقيمة الحوار مع الشباب، وأن الصلح يخدم الطرفين، يعطى جرعة أمل جديدة لقطاع من الشباب، ويزيد من احترامنا وتقديرنا للقيادة السياسية الحالية.
عقيدتى أن يحث رئيس الجمهورية مجلس النواب، لكى يضع على رأس أولويات أجندته التشريعية قانون العدالة الانتقالية، ليكون هو النواة الحقيقية للتصالح، بحيث يجرى حوارا مجتمعيا حول القانون، وفى النهاية نتفق على بنود تشريعية واضحة تتضمن تعريفا ثابتا لمفهوم التصالح ونوعية المتصالح معهم، وآلية التعامل مع ما ارتكبوه من خطأ فى حق البلد، والتأكيد فى القانون على فتح أفق سياسى للشباب فى المستقبل بممارسة الحياة السياسية بشكلها القانونى والطبيعى فى الأحزاب المصرية، وهو ما يضمن إدراجهم فى كتل سياسية واضحة معروف توجهها، بدلا من أن يتم استخدام فزاعة «الشباب» قبل ذكرى يناير من كل عام، حيث تزداد عبارة «الشباب.. نازلين.. الشباب نازلين».
الجانب الأهم أيضا أن مشروع العدالة الانتقالية والتصالح مع الشباب سيسير فى خط مواز لما ينفذه السيسى من مشروع بنك المعرفة، وهنا يكتمل الحوار مع الشباب بجميع الطرق، فكريا وسياسيا، فيومها لن تجد «ولاد سليم اللبانين». إلى صناع القرار فى الغرف المغلقة، كتبتها بالأمس وسأكررها اليوم إن كانت الدولة قبلت بكامل قواها العقلية، الإفراج عن الجاسوس الإسرائيلى «الترابين» فى صفقة لتبادل الأسرى مع تل أبيب، وقبل ذلك بـ 15 عاما، قبلت الدولة بكامل قواها العقلية أيضا أن تفرج عن أعضاء الجماعات الإسلامية ممن تورطوا فى قتل الرئيس الراحل أنور السادات فى إطار «حركة المراجعات الفكرية»، ألا يجب أن تبادر الدولة الآن بالإفراج عن الشباب المحبوسين فى إطار «مراجعات يناير، أو حركة المصالحة الوطنية مع شباب يناير ويونيو».